May 30, 2006

...6

القاهرة / شتاء 2002
صباح ممطر رائع ... من خلف زجاج شرفتى وقفت اتابع المطر .. فى التاسعة صباحاً يبدأ كل شىء داخل الدار فى العمل ، اصوات ضحكاتنا خارج الغرف والحوارت الصباحية اللطيفة ، المزاح مع مشرفة الدور والصراع اليومى بين الفتيات و القطط .. التى تتسلل الى الغرف المفتوحة بهدوء وحذر ، وتخطف كل ما تستطيع الوصول اليه ... فنتعاون فى طردها ، ومن تصرخ خوفاً ننهال عليها بالضحك والسخرية ، وغالباً كنت انا اول من يصرخ ، ورغم ذلك تمتعت القطط بمكانة عظيمة بين الكائنات التى تسكن الدار ، التى تشمل الفتيات والمشرفات ... ومديرة الدار احياناً
الحاجة عيشة .. كبيرة المشرفات فى الدار ، لا اعلم لما يلقبونها بالحاجة رغم انها لم تحج من قبل .. ولم يتعد عمرها الخمسين، تشبه الراهبات فى ملابسهن المهندمة النظيفة ، تزوجت ثلاث مرات ولم تنجح لها زيجة ، تهوى القطط وتتحدث اليها طوال الوقت .. الويل لفتاة تأذى القطط او حتى تتأفف من وجودها .. يتحول هدوءها الى بحر طائش .. لا تهتم بالشكاوى المتراكمة فوق مكتب المديرة من الفتيات التى لاتروق لهن القطط ، اخبرتنى مرة ان احدى الفتيات تقدمت بشكوى تقول فيها ان القطط تضاجع بعضها امامنا دون حياء فقتلتنى ضحكاً
لم تكن مخيفة بقدر ماكانت تثير الجدل فى كل غرفة ، طيبة القلب ، لا تأذى احداً .. ولكنها ابتكرت العديد من الطرق لمعاقبة الفتيات .. فمثلاً من تتأخر خارج الدار يحول طعامها للقطة فلانة المنقطة لمدة يومين ، الامر الذى دفع الكثيرات لاحترام مواعيد الدار .. تعلم قصة كل فتاة ، وما وراء القصة .. ومن تكذب ومن تصدق
لن انسى ابداً ليلة سمعنا فيها صراخاً يدوى فى احدى الادوار ، وعرفنا ان ثمة فتاة تصرخ من ألم شديد فى المعدة ،وتوسلت اليها ان تخرجها لتذهب الى المستشفى ، وقفت امامها تتوجع حتى بكينا جميعاً ....... فكان رد الحاجة عيشة مفيش خروج يا غادة اطلعى اشربى شوية لبن وانتى هاتبقى عال) ... فوقفنا نتعجب من قسوة قلبها ، ولكنى علمت منها فيما بعد ان غادة بارعة فى التمثيل ..( الحلاوة الطحينية لما تخلطيها بالشطة تعمل ألم شديد وحقيقى ، عشان تصدق نفسها ودموعها تنزل بجد)
والغريب فى الأمر أن اللبن هو الحل الوحيد للتخلص من هذا الألم الشديد ، كيف علمت بذلك ؟ هل اختبرته بنفسها ؟ رفضت ان تخبرنى عن جواسيسها فى الدار .. ولكنى اعجبت بذكائها ، ولا تنسى كل مرة ان تقارن بين طيبة القطط وبين خبث الفتيات ودهائهن
يارا زميلتك جت اها من اسكندرية .. قالها فرحاً كأنه ينتظر من تؤنس وحدتى وتشاركنى الغرفة ، نما بداخلى احساس أصبح حقيقة فيما بعد ... اسكندرية لا تطيق بعدى عنها ، فتختار لى أفضل سفرائها لتذكرنى بها
سندس .. كما تلقبها والدتها الطيبة ، او فيروز كما تحب هى ان تلقب ... انطباعها الأول عنى وكأنى مخلوق فضائى بملابس الشتاء التى لا تمت للشتاء بصلة .. ونظرة ترحيب كاذبة على وجهى ولا أدرى سببها .. تقول لى فيما بعد : حسيت انك عاوزة ترمينى من البلكونة !!! ... راقت لى منذ الوهلة الأولى
فتاة سمراء قصيرة ، لها شعر أسود طويل ووجهها مبتسم رقيق .. تضحك مع الجميع ولا اعلم كيف صادقت كل فتيات الدور منذ الليلة الاولى ، تسخر من كل شىء وتندهش من كل شىء .. صوتها المرتفع وضحكاتها اعادت للغرفة بهجتها .. تواصل غير مسبوق ، مع شخص غير متوقع ، وفى زمن قياسى
علاقتى بفيروز ظلت من اكثر العلاقات تعقيداً .. واكثرها بساطة فى نفس الوقت ،ومهما اخبرتكم عن فيروز لن استطيع حصرها فى سطور .. يكفى القول انها هذا النوع من الصداقة التى تشعر بداخلك ان حظك التعس قرر ان يرفع عن كاهلك عناء الوحدة
لا شك أن فيروز كانت تجهل مكانة القطط فى الدار .. ولذلك اصطدمت بالحاجة عيشة فى اول نقاش حول القطط ..
صعدت وهى تستشيط غيظاً .. فأخبرتها اننا ضيوف فى قصر القطط وعليها ان تعتاد على تواجدهم
الغريب ان فيروز صارت من اقرب الصديقات للحاجة عيشة ، حتى انها اطلقت اسمها على احدى قططها المفضلة

May 24, 2006

...5

كنت اتمنى ان اشارك فى هذه التدبيسة الرائعة ، وانضم لمن ينقبون فى قلوبهم عما يتوج الحياة بقيمة ... ولكنى وبعد تفكير قررت ان استكمل ما بدأته .. لعلى أجد فيه معكم أبسط الأشياء التى كانت تبهج روحى ، وتملأنى حباً للحياة
القاهرة / شتاء 2002
الشتاء فى أى مكان يزيده دفئاً ، مدينة نصر لا ينقصها برد قارص ليزيدها وحشة وغربة ... وقفت أراقب حسين وهو يشعل ناراً امام غرفته .. رفض اى من اصدقائه مشاركته ليلة باردة ، لم أر شاباً واحداً خارج السور منذ الساعة السابعة
انتى فاكرة اياك ان الكروان بيسبح ربه ؟ ده ولد خبثة واعى ان المنطجة ماليانة غربان بيغيظهم بصوته الحلو
غربان فى منطقة عامرة بالبشر ؟ مدينة نصر تستمتع بانتزاع المرح
بعد رحيل ريم ، بقيت وحدى شهراً كاملاً ، رغم ذلك لم تخل غرفتى من الفتيات .. وحتى احارب وحدتى ، قررت ان ازيد حالتى سوءاً
أول اختبار حقيقى للخوف ، عندما انقطع التيار الكهربى عن الدار للمرة الأولى .. صرخات فى كل غرفة .. انتفض حسين وهو يتمتم ، دخل غرفته وخرج وهو يحمل كيساً اسود قائلاً ( ماتخافش ماتخافش.. الشمع معايا اها ) ! ! لم تمر ثوان حتى تجمعت فتيات الدور الاول فى غرفتى بدعوة منى .. عشرون فتاة فى شرفتى التى أضاءتها الشموع وكأنها حفلة عيد ميلاد ( تعرفو البصة فى وش الواد ابنى تنسينى الهم كله ، والبصة فى وش امه تركبنى هم جيش بحاله).. حسين كان دائم الحديث عن ابنه الذى ولد أبكماً ، وزوجته التى لا ترضى بالقليل
( انتى مستعجلة ليه ؟ حد يطول يجعد لحاله ؟ ماهى جاية زميلتك الجديدة جاية)
كان اكثر من عرفتهم خوفاً من الوحدة ، يضرب الأرض بفأسه وكأنه ينتقم منها ، رأيته ليلة جالساً امام غرفته ساكناً .. ثم قام فجأة وأمسك بفأسه وقطع فرع شجرة بأكمله .. ثم ترك الفأس وعاد الى مكانه ... كان صعب المراس ، وكنا نخشى ردة فعله هو على تأخرنا اكثر من خوفنا من مشرفة الدار ... وكأنه زوج لمائة وخمسين فتاة ،ولكنه رغم ذلك كان طيب القلب ، ينكر تأخر الفتيات حتى لا يأذيهن او يتسبب فى طردهن ، يعشق نجاة ويهوى الأغانى النوبية القديمة .. فترجوه الفتيات ان يترجم لهن الأغانى فيقف بكبرياء وكأنه يغنى شعره الخاص
رغم استمتاعى بانقطاع التيار وتجمع الفتيات عندى فى الغرفة .. الا ان الخوف من الظلام لازمنى طوال سنواتى فى الدار ، كنت ارتعب عندما ينقطع التيار وتصرخ الفتيات فى كل مرة ... حسين كان يعلم الخوف ويدرك معنى الوحدة ، ولذلك قضيت معظم وقتى طوال الشهر اتحدث مع حسين من شرفتى ... وعندما ينقطع التيار ، كنت اعلم انه سيهرع ليحضر الشموع قائلاًَ ماتخافش ماتخافش ! ! !



May 16, 2006

...4

القاهرة / صيف 2001
الهدوء بعد التاسعة ميزة تنفرد بها مدينة نصر .. من شرفتى استطيع سماع اصوات المارة من الشباب .. كانت تجذبنى احاديثهم ، ضحكاتهم .. وكأنى داخل سجن لا أسمع فيه صوت رجل عدا السجان .. والسباك احياناً
فيلا محاطة بالأشجار ، عدا ركن واحد احتلته شجرة رفضت ان تنمو اوراقها طوال العام .. وشاء القدر ان تكون هذه الشجرة التى حيرتنى لاربعة اعوام امام شرفتى مباشرة .. فكنت انا الفتاة الوحيدة التى لا تستطيع الظهور بملابس الصيف المعروفة .. لان الشجرة اللعينة كانت تكشف كل شىء .. ولكنها رغم ذلك كانت تترك لى مجال التجسس على السكارى الظرفاء وهم يغادرون لاباس المقابل للدار فى الثالثة صباحاً .. كنت اموت ضحكاً عندما يقذفون بزجاجات الخمر الفارغة على سور الدار .. فينتفض حسين وهو يسب ويلعن بالنوبى .. انت يا بجرة ! الله يريحنا منكو يا ولاد المؤذية ..
فاطمة الحربة ... فتاة الغرفة الفردية فى الدور .. تعيش وحدها ، وتتحدث الى نفسها ،تنام والنور مضاء ، لا تؤمن بالصداقة ، ولا تحتمل صوتاً اخرأمامها ، تدخل دورة المياة وتترك الباب مفتوحاً لانها لا تأمن لأحد ، تخاف على كنوزها التى تتكون من كتب ومراجع علمية قيمة ، تحتقر الرجل بكل تفاصيله .. وتكره الضوضاء الصادرة من حركتها داخل غرفتها الضيقة ، ولذلك تؤنب نفسها طوال الوقت
تقول ريم انها تعرضت لصدمة عاطفية شديدة .. جعلتها تفقد الامان والتواصل مع من حولها .. ولا تجد طمأنينة الا مع نفسها ، لا يزورها سوى رجل كهل وجهه هادىء ومريح ، يتحدث معها ويحتضنها .. لم ارها تبتسم ولو لمرة واحدة
اول مرة ادخل غرفتها بعد معرفتى بها بسبعة اشهر .. دعتنى لأشرح لها كيفية التعامل مع فتيات الدور .. قالت انها لم تعد ترغب فى العزلة وانها تريد ان تشارك فى الصياح والضوضاء اليومية دون ان ينتقدها احد .. تعجبت لطلبها فضحكت وأرتنى صور لاطفال قالت انهم يتامى تزورهم يومياً وتعطيهم الحلوى ولكنها لا تستطيع اللعب معهم لانها لا تعلم كيف يكون اللعب .. تحدثت معها طوال الليل فوجدتها لطيفة ومرحة للغاية ، وجدها البعض منافقة حقودة .. فقلت لا يهم
اصبحنا اصدقاء مع بعض التحفظات .. مثل لا تلمسى اشيائى ولا تدخلى غرفتى دون اذنى ولا تتحدثى بصوت مرتفع ، ليس شأنك ان كرهت الرجال .. لا ولا ولا ........... كانت تستحق العناء
دعوتها مرة لمراقبة السكارى وصراخ حسين اليومى .. فوقعت من الضحك
فاطمة الحربة .. تكره الرجال .. وتجهل اللعب ، وحيدة تعشق اليتامى

May 14, 2006

...3

القاهرة / صيف 2001
شهر يونيو كالجحيم على الأرض .. احتفلت بعيد ميلادى التاسع عشر وسط فتيات الدار ، كانت ايام الاختبارات تمر ببطء شديد .. فى هذا الوقت من العام غالباً ما ترحل معظم فتيات الدار .. وتأتى فتيات غريبات لتسكن فى الغرف الخالية لبعض الوقت ..
وفى احدى الايام سمعنا صراخاً عالياً وسب ولعن من احدى الفتيات .. لم تطق ريم الانتظار وهرعت خارج الغرفة لتعرف ما يجرى ( لا تقوليلى المديرة ولا بتاع ، انا نورا صاحبة الاوضة دى ) بالطبع عرفنا ان نورا جاءت من الاسكندرية لتجد غريبة فى غرفتها
نورا .. فتاة سوقية من الطراز الأول .. ولكنها جميلة الملامح .. لها جسد نحيل كعارضات الأزياء .. العدوة الاولى لريم والصديقة الاولى لكل من تريد اقتحام الوسط الفنى .. اشتهرت بتعدد علاقاتها وتأخرها المستمر عن مواعيد الدار
دوماً تتباهى بجسدها الرائع وزوقها الرفيع فى اختيار الملابس ، كنت اجدها ظريفة طيبة المعشر .. اما ريم فكانت تجدها عاهرة .. البعض يقول انها تسببت فى طلاق والديها لانها تجلب المشاكل ، تدخن السجائر بشراهة ، كنا نشعر بقدومها من رائحة السجائر الخانقة .. فى كل غرفة كانت هى على قائمة النميمة اليومية .. اعجبنى زوقها فى الموسيقى .. وكنت ساندمج معها لولا انها رحلت قبل ان تعرفنى على المخرج فلان الذى يكشتف الوجوه الجديدة .. كانت تقدم الرشاوى لكل من يعمل بالدار .. من الحارس حتى المديرة ، ولذلك لم تقابلها اى مشكلة فى التأخر خارج الدار .. غرفتها مليئة بهدايا باهظة الثمن .. ويومياً تطلب الطعام من الخارج .. رغم ذلك لم تبد لى سطحية بالقدر الذى تظهره شخصيتها .. فدوماً احسست بانها تخبىء حزن عميق داخلها تخفيه بضحكتها الرنانة وسخريتها من الجميع .. يقال انها توقفت عن الهراء بعد موت والدتها قبل ان تراها .. ويقال ايضاً انها عادت الى الاسكندرية بعد فشلها فى تحقيق احلامها المبعثرة فى كل سيارة فارهة

May 13, 2006

...2

القاهرة / صيف 2001
منذ ليلتى الاولى فى هذا المكان احسست بوحشة غير مسبوقة ، فمنذ الصغر وانا اعتاد الأماكن بسهولة يتعجب لها الجميع .. فيلا محاطة بالأشجار، رائحة الفل من الحديقة الامامية ، وقفت اودع أبى الذى ظل يضحكنى بحركاته الطفولية بينما تحدثه مديرة الدار دون توقف .. وقبل ان تختفى سيارته سمعت صوتاً من داخل الغرفة ( ممكن تقفلى بقة انا عندى برد ) فالتفت لارى فتاة غاية فى البدانة .. وغاية فى الجمال فى نفس الوقت ، ( انا ريم ، فى تالتة تجارة ) انتى الجديدة مش كده ؟ اسمك ايه بقة ؟
ريم .. اول شريكة غرفة لى .. ان اجتمعت فتيات العالم .. لن يصلوا لرقم ريم القياسى فى الريجيم .. ورغم ذلك لم تنجح فى انقاص وزنها ولو لكيلو واحد ، وان حدث ذلك فلن تصمد لاكثر من ثلاثة ايام ، كانت تهوى رسم الحواجب والعيون للفتيات ، يومياً كنا نستضيف فىا لغرفة مالا يقل عن اربع فتيات .. كانت تبدو سوقية ولكنى كنت احبها .. ولا اعلم السبب ، مكروهة من خادمات الدار لأنها لا تدفع لهن شىء ولا تقبل ان تنظف لها احداهن الغرفة .. علمتنى ان افعل كل شىء بنفسى ( دول حرامية ولاد ستين كلب ) .. ريم ثورية من التراث الاول .. لم تترك مظاهرة واحدة او ندوة سياسية الا واشتركت بها رغم صعوبة حركتها .. وسقوطها المستمر ، كم تلقيت مكالمات من اصدقائها حتى اجلبها الى الدار وهى تترنح من التعب .. لن انسى ابداً عندما ايقظتنى فى الرابعة فجراً حتى تقرأ لى ما ستقوله غداً فى الندوة .. تعشق حارس الامن فى الجامعة وتذهب يومياً حتى تراه فقط .. كانت رقيقة .. كانت تشبه الشوام فى جمالهن .. وكنت اناديها دوماً بالشامية ، فتفرح كثيراً وتبدأ فى عمل ريجيم قاس حتى يظهر جمال وجهها .. تسافر الى كل مكان فلم اعرف ابداً من اين هى او اين ولدت .. فقط اعرف ان والدتها فى الاسكندرية .. تعشق الموسيقى وتكره كل من يغنى .. تأثرت بها كثيراً .. واحببت التواجد معها .. تركت الدار بعد زواجها من احد اقاربها .. وسفرها الى الخارج ..
ريم ، رائعة الجمال .. البدينة متعددة النشاطات ... تعشق الموسيقى وتكره من يغنى

May 10, 2006

دار مدينة نصر ... 1

القاهرة 2001 / مدينة نصر / دار الطالبات
منذ ليلتى الأولى فى هذا المكان .. أحسست بوحشة غير مسبوقة ، فيلا محاطة بالأشجار .. رائحة الفل المنعشة من الحديقة الامامية ، صوت نجاة يخرج من غرفة الحارس النوبى طوال الليل .. غرفته ضيقة مظلمة .. لم نكن نرى سوى نيران الشيشة عندما كان يدعو اصدقائه للسهر معه ليلة الخميس ..
سارة .. فتاة الدور الثانى المدللة .. احضرتها جدتها الى الدار عندما قررت الزواج بعد ان ظلت ترعاها لمدة خمس سنوات بعد سفر والديها الى احدى دول الخليج .. دوماً ترتدى افضل الثياب ، كانت تعجبنى رغم تحررها الملحوظ ، قوية الشخصية .. تكتئب عندما تحضر والدة الفتاة التى تشاركها الغرفة ، كانت تعشق الرقص فى الثالثة صباحاً .. فتلجأ الى فتيات الدور الأول لأجعلها تخفض صوت الموسيقى .. ودوماً ينتهى بنا الحال الى الحديث حتى الفجر .. لم ترق لأى فتاة فى الدار وخاصة فيروز صديقتى فى الغرفة .. ولكنها رغم ذلك ظلت فتاة الحارس الأولى .. كان حسين البواب يعشق سارة ، ويرقبها بنظرات لاحظتها جميع الفتيات.. الأمر الذى جعل الكثير منهن يلجأن اليها حتى يقضى اليهن حسين طلباتهن .. كل ماكانت تفعله سارة ان تنادى بصوت حنون .. حتى يلهث حسين ويركض نحو شرفتها وكأنه روميو .. ( بيعرفونى بس لما فلوسهم تخلص منهم ) كانت تعلم انهن يستغلونها .. كانت فاحشة الثراء ، ولكنها طيبة القلب لم ترفض طلب لاحداهن ولو مرة واحدة
كانت على علاقة حميمة برسام ، تعرفت عليه فى حفل زفاف احد اصدقائها .. ورغم حبها الشديد له ، الا انها كانت ترفض كلما فاتحها فى الزواج .. كان لها حرية التصرف بحياتها دون اذن مسبق من والدها .. الا انها رفضت حتى يعود ، لم تشعر سارة يوماً بالأمان .. كم قضيت اياماً احتضنها وهى تعتصر من البكاء ..كنت اشفق عليها واحبها حباً شديداً .. كانت قوية .. تتحكم بحياتها ولا تطلب عوناً من احد ، لحظات خوفها خاصة جدا بينى وبينها ..
ظلت فترة طويلة بعد انفصالها عنه جالسة فى غرفتها .. وحدها .. حاولت كثيراً ان اخرجها مما هى فيه ، ولكنها استسلمت للاكتئاب بشكل غريب .. حتى يأست وتوقفت عن زيارتها .. لم يكن يذكرنى بها سوى صوت نجاة المنبعث من غرفة حسين المظلمة .. لم يكن يرد على احد ، الامر الذى جعل المديرة تجلب مساعداً اخر معه
عندما جاءت والدتها لاصطحابها ، جاءت لتودعنى وفى عينيها حزن غريب .. كنت اعتقد انها ستفرح كثيراً .. ظللت افتقدها باقى سنواتى فى الدار واتذكرها دوماً بصوت نجاة الحنون وصوت الموسيقى فى الثالثة صباحاً