Aug 11, 2006

...10

القاهرة /2004 .. اخر صيف
حلم يتحقق ، أخيراً وحدى فى الغرفة لثلاثة أيام كاملة .. أجمل ايامى عندما كنت اغلق باب غرفتى فى السابعة ، اعتدت ان اكتب عليه فيروز ليست هنا ، من تطرق بابى سأقتلها
ثلاثة أيام .. لم تقترب فتاة واحدة من باب غرفتى ، وصل بى الحال لدرجة ان فاطمة كانت تسخر منى .. لم أكن الفتاة المفضلة على أي حال .. فمعظم الفتيات القدامى رحلوا ، وجاء غيرهن الكثيرات .. وتغيرت معالم الدور الهادىء .. امتلأ بالبوسترات الغريبة ، تنبع منه الموسيقى الصاخبة طوال اليوم ، أصبحت الفتاة الجديدة البريئة هى من نتعلم منها، فى السنة الأخيرة عانينا فراق كل من أحببنا ، أكثرهم قرباً لنا كانت الحاجة عيشة .. رغم بقاء ما يذكرنا بها

لم أتوقف عن التفكير ولو للحظة واحدة .. كان شوقى اليه قد فاق حده ، وبت لا أعرف كيف أراه ، أحتاج اى شخص فى العالم عدا فيروز ... ولا أحتاج غيرها
قاربت السنة على الانتهاء ، انتهت الاختبارات .. انتعشت الحياة داخل الدار .. أسبوع قبل عودتنا الى منازلنا أجمل من السنة بأكملها
انتشرت الاورتوجرافات والكاميرات ، كل زاوية كانت تحتضن مجموعة من الفتيات يتبادلن أرقام الهواتف والعناوين ، الرقص والغناء حتى الفجر .. وسرقة الهاتف العام من غرفة المشرفات ، كانت فرح من تقوم بهذه المهمة لانها نحيفة للغاية فلم تكن تشعر المشرفة بأى هزة غير مألوفة ... كنت أسميها أيضاً فرح داشت .. لانى كنت أشعر دوماً انها فتاتين
فتاة ساذجة وسطحية ، وفتاة تفاجئنى بمعرفة الكثير ، صغيرة السن ومليئة بالأسرار
مرام .. من أعز صديقاتى ، كنت أشعر معها انى اتحدث مع نفسى .. قريبة وهادئة ، احببت فلسفتها فى الحب وحاولت اتباعها .. لكنى لست مرام
برجنا الواحد جعلنا نتفق فى أدق التفاصيل ، ومنح كل منا استيعاباً لجنون الاخر ، الامر الذى أثار غيرة طفلتى المدللة ،
لكنها سرعان ما صادقت مرام كعادتها .. الأمر الذى أثار غيرة الأكثر طفولة
كنت قد عدت من حفلة عيد ميلادى الصغيرة .. جمعت فيها أصدقاء الجامعة ، صديق مقرب ، أصدقاء أصدقائى .. ومن أحببت ، قضيت وقتاً رائعاً ، انتهى ببكائى ، وقتها لم أدر السبب ، وعندما عدت الى الدار أدركته على الفور
جلست فى الشرفة وحدى ، تذكرت كل شىء .. أجمل سنوات حياتى ، كانت بين هذه الجدران ، أول ليلة لى فى الدار أدركت انى سأموت من الوحشة .. مدينة نصر ، كرهى لها وتعلقى الغريب بها ، فتيات مروا على غرفتى ورحلوا .. فراق ولحظات قليلة من السعادة ، أبى وهو يلوح لى عند الباب الحديدى ، حسين وصوت نجاة حتى الفجر .. المشاركة فى الفرح والحزن ، ليالى رمضان التى نتجمع فيها فى كل غرفة كل يوم .. أغنيتنا المفضلة فى العاشرة صباحاً ، صوت فيروز الرقيق الساخر ، شجرتى ، صوته فى الشتاء ، الشارع الخالى فى الثالثة صباحاً ........ أنا وكل احتمالات البقاء
سألنى حسين ان كنت قررت الرحيل .. فوجدت نفسى اقول انى عائدة بعد يومين
حملت حقيبتى ورحلت ، دون ان انظر ورائى ، لم اودع احد .. ربما لانى كنت اشعر انى سأعود بالفعل بعد يومين
طوال الطريق انتابنى احساس لم يتركنى حتى هذه اللحظة ... لقد نسيت شيئاً ما فى غرفتى ، او ربما نسينى شىء ما .. لا اعرفه ، لقد تركت شيئأ ما ورائى ، لن ادركه الان .. احسست كمن ينتزع جلدها ، كمن تطرد من بيتها الذى لاتعرف بيتاً غيره ، وأول شىء أردت فعله هو ان انظر الى شرفتى من الخارج .. فلم انظر اليها ولو لمرة واحدة .. كيف كان شكلها لمن مروا عليها .. ومن سيسكن بها بعدنا .. ارجو الا يمحوا كتاباتنا على الحائط .. صورة فيروز الضخمة فوق فراش فيروز ، نسيت ان اخذها معى ، سوف يحتفظ بها حسين عندما يقوم بتنظيف الغرفة .......أتمنى ان يرد على هاتفه الان .. لا اعتقد انى سأجده مستيقظاً فى هذا الوقت المبكر
قصاقيص الورق ، كل ما أملكه ، صور قليلة لى ولفيروز .. ولمن رحل من اصدقائنا
مفتاح الغرفة ... نعم تركته لدادة أمينة ، مروحة دينا .... أطباق فاطمة ؟ نعم أعطيتها لمروة ... كل شىء على ما يرام........... سلام يا حسين ... أشوف وشك بخير